تين هاج لا يستطيع السيطرة على الفوضى!

«ما الذي يُمكن القيام به؟»، هذا هو السؤال الذي ظل المدير الفني لمانشستر يونايتد، إريك تين هاج، يردده في قاعة المؤتمرات الصحافية، سواء في كوبنهاجن أو بمركز أولد ترافورد.. والنصيحة الواجبة له هي أن يتوقف عن فعل ذلك! صحيح أنه كان من حق إريك تين هاج أن يتذمر ويشكو من قرارات تقنية الفار في المباراة التي خسرها فريقه أمام كوبنهاجن بـ4 أهداف مقابل 3 في دوري أبطال أوروبا، لكن ربما لا يكون لفت انتباه الجميع إلى نقاط ضعفك وعجزك الكبير هو الخطوة الأكثر ذكاءً في الوقت الذي خسر فيه الفريق 9 مباريات من آخر 16 مباراة، ويُنظر فيه إلى القيادة الفنية للفريق على أنها تمر بأزمة، في الوقت الذي يقول فيه الناس إن إريك تين هاج لا يستطيع تحويل مانشستر يونايتد إلى أياكس! فاز يونايتد على لوتون تاون الصاعد هذا الموسم للممتاز بهدف وحيد، بعد 3 أيام من الهزيمة أمام كوبنهاجن بـ4 أهداف مقابل 3، التي جاءت منطقية ومتوافقة مع الأداء الذي يقدمه الفريق الإنجليزي حتى الآن هذا الموسم: عدم القدرة على الدفاع بشكل منظم، حتى أمام الكرات العرضية البسيطة، والفشل الغريب في الحفاظ على التقدم في النتيجة، حيث كانت هذه هي المرة الثالثة هذا الموسم التي يخسر فيها مانشستر يونايتد بعدما كان متقدماً. ومع ذلك، لو كانت مباراة كوبنهاجن هي التجسيد الأمثل لكيفية تدهور وتراجع الأمور بالنسبة لمانشستر يونايتد، فإنها قدمت أيضاً دليلاً على كيف يمكن أن تسير الأمور بشكل جيد، مع قليل من الوقت وقليل من الحظ. ونُذكر هنا بأنه خلال فترة استعداد مانشستر يونايتد للموسم الجديد في نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية في شهر يوليو الماضي، قدم إريك تين هاج أوضح تعريف له حتى الآن فيما يتعلق برؤيته للكيفية التي يتطور بها الفريق، حيث قال: «لقد بحثنا في تاريخ مانشستر يونايتد، وبحثنا أيضاً في الصفات التي يتمتع بها لاعبونا، وسألنا أنفسنا: ماذا نريد أن نكون؟ إننا نريد أن نكون أفضل فريق يمر بمرحلة انتقالية في العالم نريد أن نفاجئ المنافسين، ونريد أن نلعب بديناميكية، ونريد أن نلعب بسرعة، ونريد أن نلعب بقوة، ونريد أن تكون الروح المعنوية للفريق جيدة، لأن هذا هو مانشستر يونايتد». في ظاهر الأمر، يبدو أن تجنب مانشستر يونايتد للعب بطريقة تعتمد على الاستحواذ على الكرة منطقياً إلى حد كبير، نظراً لأنه لا يمتلك اللاعبين الموهوبين في خط الوسط القادرين على التحكم بزمام المباريات، كما لا يمتلك المدير الفني الهولندي الوقت اللازم لبناء وغرس مثل هذا الأسلوب في نفوس اللاعبين، وبالتالي كان اللعب السريع والمباشر أفضل طريقة ممكنة لاستغلال قدرات وإمكانات ماركوس راشفورد وبرونو فرنانديز وجادون سانشو. لقد بنى إريك تين هاج فكره على نقاط القوة التي تميز بها الفريق خلال حقبة المدير الفني النرويجي أولي جونار سولسكاير، والتي قدم خلالها مانشستر يونايتد كرة القدم الأكثر إثارة ومتعة في السنوات العشر التالية لرحيل السير أليكس فيرجسون. وكانت التعاقدات التي أبرمها مانشستر يونايتد في فترة الانتقالات الصيفية الماضية - راسموس هويلوند كمهاجم قوي في الخط الأمامي، وأندريه أونانا كموزع جيد للكرات من الخلف، وميسون ماونت بنشاطه الكبير - موجهة نحو هذه الاستراتيجية.  فلماذا انهار كل شيء هذا الموسم؟ يرجع السبب وراء ذلك جزئياً إلى الاضطرابات التي أحاطت بالنادي خلال الأشهر الأخيرة: عملية الاستحواذ على النادي التي طال أمدها، والتعامل الفاشل مع قضيتي ميسون جرينوود وأنتوني، والخلاف بين إريك تين هاج وسانشو، وتراجع مستوى راشفورد، وقصة انتقال هاري ماجواير إلى نادٍ آخر. يمكن لأي نادٍ كبير أن يتغلب على مثل هذه الاضطرابات لو كان يقدم أداء جيداً وثابتاً داخل الملعب، لكن حتى الأسس التي بنى عليها إريك تين هاج التقدم المتواضع الذي حققه الموسم الماضي بدأت تتآكل!  دعونا نلقِ نظرة على الخماسي الخلفي المفضل في تشكيلة مانشستر يونايتد الموسم الماضي: ديفيد دي خيا، وديوجو دالوت، ورافائيل فاران، وليساندرو مارتينيز، ولوك شو. لأسباب مختلفة، لم يلعب أي من هذا الخماسي بشكل أساسي ومستمر هذا الموسم. وعلاوة على ذلك، أصيب سيرجيو ريجيلون، الذي تم التعاقد معه ليكون بديلاً للوك شو في مركز الظهير الأيسر، وعانى كاسيميرو من مشكلات في اللياقة البدنية، كما تفاقمت المشكلات البدنية لكريستيان إريكسن بشكل مزداد. وبالتالي، فإن القاعدة الصلبة التي ساعدت مانشستر يونايتد في أن يكون أكثر أندية الدوري الإنجليزي الممتاز حفاظاً على شباكه الموسم الماضي، قد تبخرت بالكامل تقريباً. ولو كان إريك تين هاج قادراً على الاعتماد على بدائل لديها القدرة على اللعب بالأسلوب نفسه، كانت المشكلة ستصبح أقل حدة. لكنه بدلاً من ذلك، اضطر إلى الاعتماد على الخط الخلفي الذي كان يلعب تحت قيادة سولسكاير والمكون من ماجواير وفيكتور ليندلوف وآرون وان بيساكا، وهم المدافعون الذين لا يجيدون التقدم للأمام وبناء الهجمات بشكل جيد، وهو الأمر الذي كان يؤثر بالطبع على خط وسط الفريق. إن المشكلة الكبيرة التي يعاني منها مانشستر يونايتد في مركز الظهير الأيسر - الذي يلعب به حالياً دالوت، الذي يلعب بقدمه اليمنى - تفسر الأسباب وراء الهجمات الخطيرة التي يشنها الخصوم على الفريق من تلك المنطقة. لكن النقطة المثيرة للاهتمام حقاً تتمثل في كيفية تعامل إريك تين هاج مع هذه المشكلات. فعلى الرغم من كل مطالباته بضرورة أن يصبح مانشستر يونايتد أفضل فيما يتعلق بالسيطرة على المباريات، فإن كل الأدلة تشير إلى أن المدير الفني الهولندي يتمسك تماماً بفلسفته التدريبية ولا يتنازل عنها أبداً. وفي حين أن معظم مقاييس مانشستر يونايتد قد تراجعت بشكل كبير هذا الموسم، فإن هناك كثيراً من النقاط المهمة التي حافظ عليها الفريق، بل وربما تحسن فيها. ومن بين نقاط القوة قدرة الفريق على استخلاص الكرات على بُعد 40 متراً من مرمى الخصم. جاء مانشستر يونايتد في المركز السادس بهذه الإحصائية الموسم الماضي، لكنه يأتي في الصدارة هذا الموسم، حيث استخلص الكرة في هذه المنطقة بمعدل يصل إلى 11 مرة في المباراة الواحدة. وفيما يتعلق بإحصائية التمريرات في العمق الدفاعي للخصم - وهو مقياس لمدى قدرة الفريق على بناء الهجمات من الخلف - فقد ارتفعت بنسبة 11 في المائة، كما ارتفعت التمريرات الهجومية بنسبة 12 في المائة. وتفوق مانشستر يونايتد على جميع أندية الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي فيما يتعلق بالهجمات المباشرة، ويحتل المركز الثالث في هذه الإحصائية هذا الموسم. كما زاد متوسط سرعة هجمات الفريق. وعلى الرغم من كل الحديث عن كون إريك تين هاج مديراً فنياً أكثر واقعية من المديرين الفنيين الذين ينتمون لفكر وفلسفة يوهان كرويف وبيب جوارديولا، فإن ما يقدمه يُعد نوعاً من أنواع المغامرات الجريئة. قد تكون أفكار إريك تين هاج نابعة من داخله، لكنه تعلم أيضاً من أسلافه، خصوصاً بعدما رأى كيف أدى البحث المهووس عن الاستحواذ على الكرة إلى تعثر مديرين فنيين من أمثال لويس فان غال وجوزيه مورينيو.  لقد رأى إريك تين هاج كيف فشل سولسكاير في نهاية المطاف بسبب عدم قدرة فريقه على الضغط على الفرق المنافسة بشكل جيد. والأهم من ذلك، أنه قرر أنه في نادٍ كبير مثل مانشستر يونايتد، حيث الضجيج يصم الآذان وكل هزيمة تمثل أزمة، فإن الاستقرار الحقيقي سيكون دائماً مجرد وهم. لقد أدرك أنه لا يمكنه ترويض الفوضى، لذلك قرر أن يتكيف معها ويحتضنها!  على المدى القصير، أدى هذا إلى تحويل مانشستر يونايتد إلى فريق يقدم كرة قدم مملة وغير ممتعة، وغير قادر على السيطرة على المباريات، ومعرض لاستقبال الأهداف بشكل سريع. وتشير الأرقام والإحصاءات إلى أن شباك مانشستر يونايتد اهتزت بـ3 أهداف أو أكثر في 7 مناسبات هذا الموسم (حدث ذلك 6 مرات فقط في موسم 2022-23 بأكمله). لكن عندما يكون الفريق في أفضل حالاته، يمكنك أيضاً رؤية لمحات جيدة عن الكيفية التي يمكن أن يلعب بها الفريق في نهاية المطاف. ففي وقت متأخر من مباراته أمام كوبنهاجن، استحوذ مانشستر يونايتد على الكرة بشكل رائع ومررها لفترة طويلة قبل أن يخلق فرصة ذهبية لسكوت مكتوميناي كان من شأنها أن تجعل مانشستر يونايتد متقدماً في النتيجة بـ4 أهداف مقابل هدفين قبل 10 دقائق من نهاية المباراة.  لذا فإن مغامرة إريك تين هاج الكبيرة تتمثل في أنه بمجرد أن يتقن الفريق هذه الأمور البسيطة، وبمجرد أن يعود المدافعون الذين يعانون من الإصابات، وبمجرد أن يصل هويلوند إلى مستواه القوي، وبمجرد أن يصل ماونت إلى سرعته المعروفة، فإن مانشستر يونايتد سيلعب أخيراً بهوية واضحة ومحددة وسيقدم كرة قدم ممتعة. لكن المشكلة الحقيقية في مانشستر يونايتد تتمثل في أن الأوضاع قد تنفجر في أي وقت إذا ازدادت النتائج سوءاً.


  أخبار ذات صلة