فوفانا.. فتى توصيل البيتزا!

م يكن يوسف فوفانا هو اللاعب الوحيد الذي بدأ مسيرته الكروية على الملاعب الخرسانية في منطقة «إيل دو فرانس» حتى وصل إلى صفوف منتخب فرنسا، لكن عددا قليلا من اللاعبين هم من سلكوا هذه الطريق غير التقليدية. ويُعد لاعب خط وسط موناكو بمثابة تجسيد حي لفكرة أن النضج لا يُقاس بالسنوات، بل بالخبرة. فعندما انضم فوفانا إلى ستراسبورج وهو في الثامنة عشرة من عمره، كان قد واجه بالفعل صعوبات وتحديات أكثر مما واجهه العديد من اللاعبين في مسيرتهم الكروية بأكملها.  يقول فوفانا وهو يحاول شرح سبب ظهور العديد من اللاعبين الشباب المميزين في فرنسا: «نحن بلد من البلدان التي تتمتع بأكبر قدر من الوصول إلى الملاعب، كما أن كرة القدم هي أول رياضة يمكن أن نلعبها معاً بحرية». وكان النجم الجزائري رياض محرز، الذي نشأ في نفس المنطقة، قد أدلى بتصريحات مماثلة قبل بضع سنوات، حين قال: «إننا نلعب دائماً في الخارج. عندما أخرج إلى الشوارع في إنجلترا، لا أرى أبداً أشخاصاً يلعبون في الشارع. البلدان الأخرى لا تصنع لاعبين مثل فرنسا، التي توجد بها ملاعب كرة قدم صغيرة في كل مكان، وهو ما يجعل اللاعبين الصغار يمارسون كرة القدم في الشوارع باستمرار». ويمكن لهذه الموهبة الخام أن تتغذى على ما يسميه فوفانا اسم «البنية التحتية» - أكاديميات مرموقة مثل أكاديمية كليرفونتين أو موناكو. وكان اللاعب البالغ من العمر 24 عاماً الآن قد انتقل من أكاديمية كليرفونتين للناشئين إلى أكاديمية موناكو، لكنه واجه الكثير من الصعوبات والتحديات خلال الفترة الفاصلة بين عملية الانتقال. تعد أكاديمية كليرفونتين بمثابة نقطة انطلاق العديد من اللاعبين نحو لعب كرة القدم على المستوى الاحترافي، لكن فوفانا ترك الأكاديمية وهو في الخامسة عشرة من عمره من دون أن ينتقل إلى ناد آخر. وعندما انتقل صديقه المقرب وزميله في المنتخب الفرنسي الآن موسى ديابي، الذي لعب معه كرة القدم على مستوى فريق الشباب، لنادي باريس سان جيرمان، كان فوفانا يعمل في مجال توصيل البيتزا للمنازل ويفكر فيما إذا كان سيواصل ممارسة كرة القدم أم لا. كان فوفانا يمتلك مهارات وإمكانات كبيرة على المستوى الفني، لكنه يعترف بأنه لم يكن لديه التركيز الذهني لاستغلال تلك المهارات عندما كان في سن المراهقة. لكن بعد ثلاث سنوات من رحيله عن أكاديمية كليرفونتين، حصل على فرصة ثانية للعب في نادي ستراسبورج. يقول فوفانا عن ذلك: «ساعدني ستراسبورج بشكل أكبر من الناحية الذهنية، لأن مركز التدريب الخاص بهذا النادي أقل جودة من كليرفونتين وموناكو، وهو الأمر الذي ساعدني على التحسن والتطور من الناحية الذهنية أكثر من الناحيتين الفنية أو التكتيكية». لا توجد طريق واحدة تناسب الجميع في كرة القدم على المستوى الاحترافي، وقد وجد فوفانا نفسه في ستراسبورج، الذي كان بمثابة نقطة انطلاق أفضل من أكاديمية كليرفونتين الأكثر شهرة. لقد رفض لاعب خط الوسط الشاب عرض النادي بدفع تكاليف سفر عائلته حتى تتمكن من مشاهدته وهو يلعب، مفضلاً الانتظار حتى يوقع أول عقد احترافي له وهو في التاسعة عشرة من عمره. وعلى الرغم من أن الفترة التي قضاها في ستراسبورغ كانت قصيرة، فإنها كانت محطة مهمة للغاية في الطريق التي جعلته يلعب في نهاية المطاف في نهائيات كأس العالم بعد خمس سنوات فقط. لقد منح القدر مشهد إحباطه الأكبر معنى جديداً بعد 10 سنوات تقريباً، ففي سبتمبر 2022 عندما تلقى فوفانا أول استدعاء لقائمة المنتخب الفرنسي الأول من قبل المدير الفني ديدييه ديشامب، فقد جعله ذلك يعود إلى كليرفونتين «من الباب الكبير»، بعد أن «رحل من الباب الصغير». قدم فوفانا مستويات استثنائية مع موناكو، وشكل ثنائيا قويا للغاية في خط وسط الفريق مع زميله السابق في النادي أوريلين تشواميني، وهو ما أقنع ديشامب بضمه لقائمة المنتخب الفرنسي في مونديال قطر. ولم ينضم فوفانا إلى القائمة كتكملة عدد، لكنه شارك في ست مباريات من المباريات السبع التي لعبتها فرنسا في كأس العالم، ولم يغب إلا عن مباراة الدور ربع النهائي أمام إنجلترا، وهي المباراة التي وصفها بأنها «أصعب مباراة من حيث الاستعداد لها» في البطولة. وقال النجم الفرنسي: «كنا أقل هدوءاً مما كنا عليه في المباريات الأخرى، خاصة أن إنجلترا كانت قد وصلت إلى المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية السابقة. كان المنتخب الإنجليزي يضم العديد من اللاعبين المميزين في جميع أنحاء الملعب، وخاصة في خط الهجوم». نجحت فرنسا في إقصاء إنجلترا، وعاد فوفانا في مباراة الدور نصف النهائي ليقود منتخب بلاده للفوز على المغرب بهدفين دون رد والوصول إلى المباراة النهائية للمونديال. بدأت فرنسا المباراة النهائية بشكل سيئ أمام الأرجنتين وكانت متأخرة بهدفين دون رد قبل أن تستفيق وتستعيد توازنها. يقول فوفانا، الذي شارك كبديل في تلك المباراة في الوقت الإضافي: «ربما افتقدنا إلى القليل من الخبرة. خلال الـ 120 دقيقة، كنا سيئين للغاية في أول 15 دقيقة فقط، لكن ذلك كلفنا الكثير. وكنا سنفوز لو لعبنا أول 15 دقيقة كما لعبنا في بقية المباراة».  وعلى الرغم من الهزيمة في الدوحة، فقد تطورت فرنسا بشكل كبير للغاية خلال السنوات الأخيرة، كما أصبحت نموذجا تحتذي به المنتخبات الأخرى، وخاصة المنتخب الإنجليزي. لكن الأمر كان مختلفا تماما على مستوى الأندية، حيث لم يصل أي فريق من الدوري الفرنسي الممتاز إلى الدور نصف النهائي لأي من البطولات الأوروبية الثلاث. وكان نادي نيس هو من ذهب إلى أبعد مرحلة، حيث وصل إلى الدور ربع النهائي لدوري المؤتمر الأوروبي قبل أن يودع المسابقة بعد الخسارة أمام بازل السويسري. وقال برناردو سيلفا، لاعب موناكو السابق، ومانشستر سيتي حاليا إن الدوري الفرنسي الممتاز «أكثر صعوبة وأقوى من الناحية البدنية» من الدوري الإنجليزي الممتاز. يقول فوفانا عن ذلك: «الدوري الفرنسي الممتاز قوي بالفعل من الناحية البدنية، لكن يتعين علينا أن نتعامل مع المباريات في المسابقات الأوروبية بشكل أفضل حتى يمكننا تحقيق الفوز. تفتقر فرنسا إلى الخبرة نظراً لأن الكثير من الأندية لا تشارك في المسابقات الأوروبية كل عام».  يدرك فوفانا حجم التحديات التي تواجه أندية الدوري الفرنسي الممتاز، لكنه متفائل بشأن المستقبل، ويقول: «نحن نفتقر إلى الخبرة على هذا المستوى، لكن إذا حصلنا على هذه الخبرات فأعتقد أنه يمكننا القيام بأشياء كبيرة في أوروبا. سوف نحصل على هذه الخبرات شيئاً فشيئاً، ولماذا لا ننجح خلال الموسم المقبل أو الموسمين المقبلين في تحقيق ما فعلته الأندية الإيطالية هذا الموسم؟».  سيشارك الدوري الفرنسي الممتاز بأربعة أندية في دوري أبطال أوروبا اعتباراً من الموسم المقبل، لكن فرص بقاء فوفانا في موناكو حتى ذلك الحين تعد ضئيلة. يُعد الدوري الفرنسي الممتاز - الذي يصف نفسه بأنه «دوري المواهب» - بمثابة محطة للانتقال إلى أندية أكبر، خاصة بالنسبة للاعبين الشباب. يقول فوفانا: «الدوري الفرنسي الممتاز يتطور بشكل جيد، كما أن وصول لاعبين من الأسماء الكبيرة يخلق مزيجاً جيداً من اللاعبين النجوم ذوي الخبرات الهائلة واللاعبين الشباب الذين يرغبون في تقديم كل شيء داخل المستطيل الأخضر». ومن الواضح أن هذا المزيج جعل فرنسا من أفضل، إن لم تكن أفضل، مصدري المواهب إلى الدوريات الأوروبية الكبرى. وأصبح موناكو بارعا في عملية التعاقد مع اللاعبين الشباب بأسعار زهيدة ثم بيعهم لأندية أكبر بمبالغ مالية طائلة. يقول فوفانا: «نحن ناد كبير في فرنسا وفي أوروبا. إنها نقطة انطلاق، والعديد من الأندية تتعاقد مع لاعبينا». انتقل تشواميني إلى ريال مدريد مقابل 100 مليون يورو الصيف الماضي، وانتقل بينوا بادياشيل إلى تشيلسي مقابل 37 مليون يورو في فترة الانتقالات الشتوية الماضية، ومن المتوقع رحيل المزيد من النجوم هذا العام. ويبدو النجم الفرنسي الشاب مستعدا لاتخاذ خطوة جديدة بعد ما وصفه بأنه «الموسم الأكثر اكتمالا» في مسيرته الكروية حتى الآن. ويقول عن ذلك: «لا يمكنني أن أقول إن هذه هي الفرصة المناسبة أو اللحظة المناسبة لرؤية شيء آخر، لكننا في موناكو نقوم بالأشياء بالطريقة الصحيحة في الوقت الحالي». في النهاية، تُعد قصة فتى توصيل البيتزا الذي واصل رحلته حتى لعب المباراة النهائية لكأس العالم بمثابة شهادة على تصميمه وإرادته الفولاذية وعلى أن فرنسا تمتلك نظاما رائعا يساعد في تخريج عدد هائل من اللاعبين المميزين الذين ينتهي المطاف بالعديد منهم باللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز. وقد يكون فوفانا هو النجم الفرنسي التالي الذي يتألق في الملاعب الإنجليزية!


  أخبار ذات صلة