من ذاكرة المونديال: نسخة 86.. مارادونا!
على مدار أكثر من نسخة سابقة في بطولات كأس العالم، فشلت منتخبات مفعمة بالمواهب والنجوم في استغلال قوتها للتتويج باللقب وكان منها المنتخب البرازيلي في نسخة 1982 والمنتخب الهولندي في كل من نسختي 1974 و1978.
ولكن أسطورة كرة القدم الأرجنتيني دييجو أرماندو مارادونا قاد فريقا لا يضم الكثير من النجوم البارزين في ذلك الوقت إلى الفوز باللقب العالمي خلال نسخة 1986 بالمكسيك.
وكانت موهبة الراحل مارادونا كافية ليجتاز الفريق أكثر من عقبة صعبة ويصعد لمنصة التتويج.
ولهذا، ارتبط اسم مونديال 1986 بمارادونا ارتباطا وثيقا باعتباره الأكثر تأثيرا في قيادة فريقه إلى منصة التتويج، وساهمت هذه البطولة في أن يصبح مارادونا من أبرز من عرفتهم ملاعب الساحرة المستديرة على مدار التاريخ.
وبرغم الكبوات التي شهدتها مسيرته في سنوات لاحقة، لم يغفل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مكانة الراحل وإسهاماته ومنحه لقب لاعب القرن العشرين مناصفة مع الأسطورة البرازيلي بيليه الذي قاد منتخب بلاده إلى الفوز بـ3 ألقاب في بطولات كأس العالم.
وربما حظي مارادونا بمسيرة حافلة في الملاعب على مستوى الأندية ومنتخب بلاده، لكن ظلت بطولات كأس العالم هي الركن الأساسي في السيرة الذاتية لهذا النجم الراحل.
وبدأت علاقة مارادونا ببطولات كأس العالم منذ أن كان في الـ17 من عمره حيث كان مرشحا للمشاركة مع المنتخب الأرجنتيني في مونديال 1978 بالأرجنتين ولكن المدرب لويس سيزار مينوتي المدير الفني للفريق آنذاك فضل عدم إدراجه بقائمة الفريق في هذه البطولة بدعوى أنه لا يزال صغير السن وقد لا يستطيع التعامل مع ضغوط البطولة والجماهير على أرضه.
وفي العام التالي، شارك مارادونا مع منتخب بلاده في مونديال الشباب، وتوج معه باللقب عن جدارة حيث كان مارادونا هو أفضل لاعب في تلك النسخة وأحرز 6 أهداف ليحتل المركز الثاني بقائمة هدافي البطولة خلف زميله رامون دياز (8 أهداف) .
وفي 1982، شارك مارادونا للمرة الأولى في بطولات كأس العالم من خلال النسخة الـ12، التي استضافتها إسبانيا لكن اللاعب لم يقدم في هذه النسخة ما يستحق ذكره باستثناء طرده في الدقائق الأخيرة من مباراة فريقه أمام المنتخب البرازيلي في الدور الثاني.
ولكن الأمر اختلف تماما في النسخة التالية عام 1986 بالمكسيك، والتي توصف دائما بأنها بطولة مارادونا؛ حيث كان هو الأيقونة البارزة لهذه النسخة بعدما صال وجال في ملاعب المكسيك ولم يكتب فقط شهادة نجاح للمنتخب الأرجنتيني ويقوده للقب العالمي وإنما كتب الفصل الرئيسي في أسطورته هو نفسه.
وباستثناء مارادونا، لم يكن ضمن صفوف المنتخب الأرجنتيني في هذه البطولة من النجوم وأصحاب المهارات ما يؤهله للمنافسة القوية على اللقب، ولكن مارادونا نجح في الاختبار الصعب وقاد الفريق لمنصة التتويج.
وسجل مارادونا في هذه البطولة 5 أهداف لكنها ضمت اثنين من أهم وأبرز أهدافه بل ومن أبرز الأهداف في تاريخ كرة القدم على الإطلاق.
وجاء الهدفان في مباراة الفريق أمام المنتخب الإنجليزي، والتي انتهت بفوز مارادونا ورفاقه 2-1 في دور الثمانية.
وسجل مارادونا الهدف الأول بيده في مرمى الحارس العملاق بيتر شيلتون في الدقيقة 51 مدعيا أنه أحرز الهدف برأسه، واحتسب الحكم التونسي علي بن ناصر الهدف صحيحا لمارادونا وسط احتجاجات هائلة من لاعبي المنتخب الإنجليزي.
وبعدها بـ4 دقائق فقط، قدم مارادونا لوحة فنية في الملعب ظلت وستظل خالدة في تاريخ اللعبة حيث انطلق بالكرة من منتصف الملعب وراوغ 5 لاعبين قبل أن يضع الكرة في الشباك ليعزز تقدم فريقه ويقوده للفوز الثمين قبل أن يستكمل المشوار بإحراز لقب البطولة.
وفي 1990، انتظر العالم نسخة أكثر نضجا من مارادونا، الذي كان في الـ29 من عمره وقتها، ولكنه لم يظهر فيها بنفس الشكل الذي كان عليه في مونديال 1986 حيث خاض البطولة متأثرا بإصابة في الكاحل قلصت من خطورته.
وبرغم هذا، ومع تأهل المنتخب الأرجنتيني الصعب من الدور الأول بعدما احتل المركز الثالث في مجموعته، قاد مارادونا الفريق للنهائي قبل أن يخسر 0-1 أمام ألمانيا الغربية.
وكتبت نسخة 1994 بالولايات المتحدة الفصل الحزين لمارادونا مع بطولات كأس العالم حيث قاد الفريق للفوز على اليونان 4-0 في مباراة شهدت آخر أهدافه ببطولات كأس العالم، ثم على نيجيريا 2-1 قبل طرده من البطولة لثبوت تعاطيه المنشطات، ليكون أسوأ ختام ممكن لأسطورة مارادونا مع منتخب بلاده وفي بطولات كأس العالم.
وبعيدا عن الملعب، كانت حياة مارادونا مثيرة للجدل خاصة بعد اعتزاله اللعب في 1997 وحتى وفاته في نوفمبر 2020 ، لكن ما تركه مارادونا من إرث داخل المستطيل الأخضر سيظل خالدا في تاريخ كرة القدم.