لمن الكأس؟
بالأمس كنت في زيارة لأحد الأصدقاء، وهو من عشاق كرة القدم، وقد ذاع صيته كأحد أبرز الإداريين في مجال الرياضة، وتصدّر النادي الذي يديره قائمة البطولات على مدى أعوام، دار بيننا حديث الأصدقاء عندما يلتقون بعد طول غياب، ويتذكرون الأيام الخوالي، صحيح أن الإدارة الرياضية مجال له خصوصيته، إلا أنها تتقاطع مع الإدارة عموماً، في أي مجال من مجالات الحياة، لقد دفعني الفضول والشغف بعلوم الإدارة إلى سؤاله عن سر نجاحه في إدارة فريقه حتى وصل إلى ما وصل إليه، في حين لم يحقق شيئاً يذكر في إدارته للقسم الذي كان يعمل به في إحدى وزارات الدولة، ابتسم بكل ثقة والتفت إليّ قائلاً: في ملعب كرة القدم يا صديقي أنا أمتلك مساحات كبيرة من الحرية في اتخاذ القرار الذي أراه مناسباً دون أي تدخّل خارجي، وبالتالي أتحمّل مسؤولية قراراتي، النجاح في كرة القدم يبدأ بإعطاء صلاحية كاملة لمدير الفريق، وينتهي باختيار اللاعب المناسب في المكان المناسب، أما في العمل الحكومي فإن قواعد اللعبة مختلفة بشكل كبير، والملعب مختلف أيضاً، لو كانت الأمور تُدار في القطاع الحكومي بالطريقة نفسها التي تُدار بها الأجهزة الرياضية لشهدنا ثورة ونقلة نوعية في أداء القطاعات الحكومية.
ثم قال: إن ما يهم القائمين على إدارة الفرق الرياضية هو الفوز والفوز فقط؛ لأنه الهدف والدافع والمحرك لإدارة النادي الرياضي في جميع قراراتها، فلا مكان في الفريق لغير اللاعب الموهوب المبدع، في المقابل قد يتعرّض أي لاعب لعقوبات تصل إلى الفصل من النادي بدون تردد في حال عدم التزامه بالتمرينات الرياضية أو انتهاكه أخلاقيات اللعب، أو تدنّي مستواه إلى الحد الذي يؤثر على مكاسب الفريق، يعني لا مجال لأي اعتبارات أخرى.
وأردف قائلاً: يا صديقي، في عالم الرياضة لا توجد اعتبارات للواسطة أو المحسوبية في اختيار أعضاء الفريق، فلا يتم اختيار لاعب الهجوم لأنه ابن فلان، ولا الحارس لأنه ابن علّان، في عالم الحيوان فقط الأسود تلد أسوداً، والذئاب تلد ذئاباً، والقردة تلد قردة أيضاً، أما في عالم الإنسان فليس بالضرورة أن اللاعب الموهوب أو المدير الناجح ينجب ابناً ناجحاً أو موهوباً، لذلك يجب أن لا يكون النسب والعرق والطائفة معياراً أبداً في اختيارك لأعضاء فريقك سواء، في كرة القدم، أو في العمل، ولا معياراً لإعطاء المسؤولية أو حرمانها، بل يجب أن يكون المعيار هو الكفاءة والأخلاق والولاء لوطنك ومجتمعك، هذا إذا أردت أن يفوز فريقك طبعاً، أما إن أردت اللعب لمجرد اللعب دون تحقيق نتائج فذلك أمرٌ آخر… انتهى كلامه.
لقد كان حديثاً صريحاً وحاداً بعض الشيء، ولكن، أليست المقارنة بين إدارة ناد رياضي وإدارة دائرة حكومية مقارنة مجحفة؟ أليس النموذج الرياضي أكثر مرونة؟ أليس القطاع الحكومي مقيداً بلوائح وقوانين وسياج من البيروقراطية؟ مع كل تلك الاعتبارات وغيرها، في المقابل ألا يمكننا كما قدّمنا هذا النموذج المشرّف في الإدارة الرياضية، وفي أكثر من مناسبة، أن ننقل روح التجربة وبيئتها إلى دهاليز القطاع الحكومي!!!
إلى اللقاء